فصل مشاريع الطاقة المتجددة في الأردن! لماذا؟ وما هي الحلول المقترحة

لدى المملكة الأردنية الهاشمية قصة نجاح في تطوير وتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، الرحلة التي بدأتها المملكة بإقرار الأنظمة والتعليمات التي تسمح بتركيب أنظمة المتجددة وربطها مع الشبكة الكهربائية العامة في عام 2013، وهي بذلك تعتبر من أوائل الدول العربية المشرعة للأنظمة والتعليمات المتعلقة بمشاريع الطاقة المتجددة.

اليوم وبعد 9 سنوات على إقرار الأنظمة والتعليمات، وصلت نسبة مساهمة مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح 26% في إنتاج الكهرباء على مستوى المملكة. وبذلك أصبحت الأردن في مصاف الدول العالمية لوصولها إلى هذه النسبة المرتفعة، بالرغم من عدم وجود ربط كهربائي دولي واسع كما في معظم الدول الأوروبية التي وصلت نسبة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة فيها إلى نسب مرتفعة.

 

الطاقة المتجددة في الأردن

    في آخر تصريح رسمي يتضمن عدد وقدرة مشاريع الطاقة المتجددة في الأردن مع نهاية عام 2021، صرح الناطق الإعلامي باسم هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، الدكتورة تحرير القاق، لصحيفة الرأي بأن ” مجموع الاستطلاعات المربوطة على الشبكة الكهربائية في المملكة، نحو (٢٤٧٦.٥) ميجا واط، موزعة ما بين مشاريع العروض المباشرة ومشاريع المنح الحكومية والاستهلاك الخاص.”.

كما وضحت القاق بأن:

  • عدد مشاريع الاستهلاك الخاص (صافي قياس و عبور)، بلغ نحو (47,140) مشروعا.
  • تتوزع مشاريع العروض المباشرة بين مشاريع طاقة الرياح والتي بلغت قدرتها، نحو (٥٤٠.٧) ميجا واط ومشاريع الطاقة الشمسية والبالغة قدرتها نحو (٧٧١) ميجا واط.
  • بلغت قدرة مشاريع الطاقة الشمسية الممنوحة من الحكومة نحو (١١٥) ميجا واط، فيما بلغت قدرة مشاريع طاقة الرياح نحو (٨٨) ميجا واط.
  • بلغت استطاعة المشاريع المربوطة على شبكة الكهرباء الوطنية (شبكة النقل)، نحو ١١٠.٥ ميجا واط، فيما بلغت استطاعة المشاريع المربوطة على شبكة التوزيع، نحو (٨٥٩.٣) ميغاواط. (1)

يمكنك قراءة مقالنا السابق: 2063 ميجا واط من مشاريع الطاقة المتجددة في الأردن مع نهاية عام 2020 “.

 

استطاعة محطات توليد الكهرباء والحمل الأقصى

   بلغت الاستطاعة الإسمية لمحطات توليد الكهرباء الرئيسية العاملة في النظام الكهربائي الأردني مع نهاية عام 2021 5752 ميجا واط. 4,041 ميجا واط منها هي محطات تقليدية، و1711 ميجا واط عبارة عن محطات طاقة شمسية وطاقة رياح.

القدرة أعلاه لمشاريع الطاقة المتجددة لا تشمل مشاريع الطاقة المتجددة المربوطة على شبكات التوزيع وفق نظامي صافي القياس والنقل بالعبور، والتي بلغت قدرتها 859.3 ميجا واط مع نهاية عام 2021 حسب آخر تصريح للناطق الإعلامي باسم هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن.

أما بالنسبة للحمل الأقصى فقد بلغ 3770 ميجا واط عام 2021، بارتفاع طفيف مقارنة مع عام 2021 (3630 ميجا واط) وكما يوضح الرسم البياني أدناه.

صورة (1): الحمل الأقصى للنظام الكهربائي الموحد لعام 2020 و2021 (2)

 

فصل أنظمة العبور في جائحة كورونا

    بسبب جائحة كورونا وتوقف العديد من القطاعات عن العمل في عام 2020، قامت هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن بالإيعاز إلى شركات توزيع الكهرباء بالتواصل مع مالكي ومشغلي مشاريع الطاقة الشمسية المربوطة وفق نظام العبور لفصلها عن الشبكة الكهربائية.

ووضحت الهيئة في كتاب إلى شركات التوزيع، أن سبب ذلك يعود إلى بدء وجود ظاهرة التذبذب في الفولتية في بعض المناطق من الشبكة الكهربائية نظراً إلى انخفاض الأحمال الكهربائية إلى مستويات منخفضة، وفي ظل تعاظم الطاقة المولدة من أنظمة الطاقة المتجددة باستخدام نظام النقل بالعبور بدون وجود أحمال لها بالمقارنة مع الأحمال قبل الجائحة. (2).

 

فصل أنظمة العبور في العام الحالي (2022)

بناءً على كتاب شركة الكهرباء الوطنية (الشركة المسؤولة عن تشغيل النظام الكهربائي الأردني) إلى هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن بتاريخ 14/4/2022 والمتعلق بطلب فصل نظم مصادر الطاقة المتجددة بواسطة نظام النقل بالعبور، وذلك بسبب التحديات التي تواجه تشغيل النظام الكهربائي بسبب انخفاض الأحمال الكهربائية خلال فترة الربيع. قامت الهيئة بالتواصل مع شركات توزيع الكهرباء الثلاث لتنسيق عملية الفصل مع مالكي المشاريع ومشغليها أيام الجمعة والسبت وأيام العطل الرسمية.

يذكر أن عدد أنظمة النقل بالعبور التي تم تركيبها وربطها مع الشبكات الكهربائية في الأردن مع نهاية عام 2020 بلغت 297 نظاماً وبقدرة إجمالية تصل إلى 210 ميجا واط (3). وفي عقود هذه المشاريع مع شركات التوزيع، فإن شركة التوزيع غير ملزمة بتعويض أصحاب المشاريع عن خسائر الإنتاجية الناجمة عن هذه الانقطاعات.

صورة (2): عدد وقدرة أنظمة الطاقة المتجددة المربوطة وفق نظام النقل بالعبور (3).

ملخص المشكلة

   بالرغم من محدودية المعلومات المتوافرة عن تشغيل النظام الكهربائي في الأردن، فإننا نلاحظ من قرارات الفصل أعلاه، أن القرار الأول جاء خلال فترة جائحة كورونا التي أدت إلى انخفاض الأحمال بشكل واضح، أما القرار الثاني الذي صدر هذا الأسبوع فقد يكون بسبب التشغيل التجاري لمشروع العطارات نهاية العام الماضي، ودخول عدد من مشاريع الطاقة المتجددة التجارية بدون أي ارتفاع ملحوظ على الأحمال الكهربائية على مستوى المملكة.

 

الحلول المقترحة

التوجه لحل فصل مشاريع الطاقة المتجددة المربوطة وفق نظام النقل بالعبور أيام الجمعة والسبت وأيام العطل الرسمية، فإنه يعتبر أسهل الحلول قصيرة المدى وضعيفة التأثير.

باعتقادي وعلى المستوى الشخصي أرى أن اختيار أسهل الحلول سوف يؤدي إلى أسوأ النتائج، وترحيل للمشكلة للمستقبل وتفاقمها. بالتالي يجب أن يكون هناك مراجعة شاملة للنظام الكهربائي في الأردن، مع إتاحة كافة المعلومات المتعلقة بالنظام الكهربائي والمنوال التشغيلي للجان مختصة تتكون من خبراء ومختصين محليين، لدراسة المشكلة واقتراح الحلول.

من وجهة نظري الشخصية ومع التأكيد على نقطة محدودية المعلومات المتوافرة عن النظام الكهربائي، الأمور التالية من الممكن أن تساهم في تخفيف وعلاج المشكلة:

  1. اعتماد التعرفة حسب وقت الاستخدام (Time of Use Tariff: ToU).

من الممكن أن تطبيق هذه التعرفة في البداية على القطاعات الصناعية ذات الاستهلاك الكثيف للكهرباء، لتشجيعها على استهلاك أعلى للكهرباء في أوقات الأحمال المتدنية. وبذلك نساهم أيضاً بتشجيع القطاع الصناعي وتحفيز الصادرات.

 

  1. كهربة القطاعات (Electrification)

جميع دول العالم تتجه حالياً لكهربة القطاعات، لرفع نسب مساهمة مشاريع الطاقة المتجددة في خليط الطاقة الكلي، وذلك بهدف خفض انبعاثات الكربون.

كهربة قطاع النقل على سبيل المثال سوف تساهم برفع الاستهلاك الكهربائي بشكل ملحوظ. لذلك من الممكن تشجيع استخدام السيارات والحافلات الكهربائية بخفض أو تصفير رسوم استيرادها والرسوم الجمركية، لرفع نسبة الاستهلاك الكهربائي في قطاع النقل ورفع الأحمال على مستوى المملكة.

 

  1. مشاريع التخزين الكهربائي

مشاريع تخزين الكهرباء باستخدام البطاريات أو غيرها من طرق تخزين الكهرباء، من الممكن بالرغم من كلفتها المرتفعة أن تكون أفضل للنظام الكهربائي من الوضع الحالي.

يذكر أن وزارة الطاقة قامت بطرح عطاء لمشروع تخزين الطاقة الكهربائية باستخدام البطاريات باستطاعة 30 ميجاواط لمدة ساعتين (60 ميجاواط. ساعة)، واستلمت 10 عروض لهذا المشروع، ولكن قامت الوزارة لاحقاً بإلغاء العطاء بسبب ارتفاع كلفة العروض المقدمة (حسب توضيح الوزارة).

كما أعلنت الوزارة في عام 2020 عن إجراء دراسة لعدد من المشاريع بالتنسيق مع وزارة المياه وتشمل انشاء محطة لتخزين الطاقة باستخدام مياه السدود في وادي الموجب باستطاعة 220 ميجا واط. وكان من المتوقع أن يتم الإعلان عن عطاء بخصوص هذا المشروع في النصف الأول من عام 2021، ولكن لم يتم الإعلان عن أي عطاء حتى الآن.

 

  1. مشاريع إنتاج الهيدروجين

كما ذكرنا في نقطة كهربة القطاعات، فإن جميع دول العالم تتجه حالياً لخفض انبعاثات الكربون. وكهربة القطاعات هي من أهم الأمور التي سوف تؤدي إلى خفض الانبعاثات في هذه البلدان. ولكن بعض القطاعات مثل الصناعات الثقيلة، صناعة الكيماويات، قطاع النقل (الشاحنات، السفن الطائرات)، وبعض القطاعات الأخرى لا يمكن كهربتها. لذلك فإن إحدى حلول خفض انبعاثات هذه القطاعات تكمن في استخدام الهيدروجين.

من الممكن أن تكون مشاريع الهيدروجين بالرغم من ارتفاع كلفها حالياً إحدى الحلول المستقبلية لمشكلة إنخفاض الأحمال، باستخدام الطاقة الكهربائية التي يمكن إنتاجها في فترات إنخفاض الأحمال لإنتاج الهيدروجين ومن ثم إستخدام هذا الهيدروجين محلياً أو تصديره.

كما يمكن تخزين الهيدروجين المنتج ومن ثم استخدامه لاحقاً في أوقات الذروة. وبالرغم من ارتفاع كلف هذه المشاريع في الوقت الحالي، إلا أنها من الممكن أن تكون مناسبة واقتصاديةً حالياً أو في المستقبل القريب في ظل الوضع الحالي بارتفاع نسب مساهمة مشاريع الطاقة المتجددة وانخفاض الأحمال.

لذلك من المجدي دراسة جدوى مشاريع إنتاج الهيدروجين، وفرص استخدامه في الأردن، والبدء ببعض المشاريع التجريبية مع الشركات الرائدة عالمياً في هذا المجال لمعرفة التحديات التي تواجه هذا النوع من المشاريع قبل التوسع فيها.

 

 

المصادر:

(1) صحيفة الرأي ٤٧ ألف مشروع استهلاك خاص من الطاقة المتجددة في الأردن”.

(2) التقرير السنوي لشركة توليد الكهرباء المركزية.

(3) التقرير السنوي لهيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن لعام 2022.

عن نضال نصار

Avatar photo

مهندس طاقة كهربائية مختص في مجال الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة.
* حاصل على جائزة أفضل مهندس طاقة شاب عن منطقة الشرق الأوسط لعام 2020 من منظمة مهندسي الطاقة العالمية.
* حاصل على شهادة مدير طاقة معتمد (Certified Energy Manager).
* حاصل على شهادة مطور معتمد لمشاريع الطاقة الشمسية من أكاديمية RENAC الألمانية.

شاهد أيضاً

السعودية: توقيع اتفاقيات لثلاثة مشاريع طاقة شمسية كبرى بإجمالي 5,500 ميجاواط

في خطوة تهدف إلى تعزيز جهود المملكة العربية السعودية في مجال الطاقة المتجددة، شهد صاحب …

error: Content is protected !!